فصل: شهر رجب سنة 1228:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر جمادى الثانية سنة 1228:

في ثاني عشره، وصل في النيل على طريق دمياط آغا من طرف الدولة يقال له قهوجي باشا السلطان فاعتنى الباشا بشأنه وحضر إلى قصره بشبرا وأمر بإحضار عدة من المدافع وآلات الشنك وعملوا أمام القصر بساحل النيل تعاليق وقناديل وقدات ونبه على الطوائف بالاجتماع بملابسهم وزينتهم، ووصل الآغا المذكور يوم الأحد فخرج الأغوات والسفاشية والصقلية وهم لابسون القواويق وجميع العساكر الخيالة ليلاً، فما طلعت الشمس حتى اجتمعوا بأسرهم جهة شبرا وانتظموا في موكب ودخلوا من باب النصر ويقدمهم طوائف الدلاة وأكابرهم ويتلوهم أرباب المناصب مثل الآغا والوالي والمحتسب وبواقي وجاقات المصرية، ثم موكب كتخدا بك وبعده موكب الآغا الواصل وفي أثره ما وصل معه من الخلع وهي أربع بقج وخنجران مجوهران وسيف وثلاث شلنجات عليها ريش مجوهر، وخلف ذلك العساكر الخيالة والتفكجية وخلفهم النوبة التركية فكان مدة مرورهم نحو ساعتين وربع وليس فيهم رجالة مشاة سوى الخدم وقليل عسكر مشاة، وأما بقية العسكر فهم متفرقون بالأسواق والأزقة كالجراد المنتشر خلاف من يرد منهم في كل وقت من الأجناس المختلفة براً وبحراً فمن الخلع الواردة ما هو مختص بالباشا وهو فروة وخنجر وريشة بشلنج وأطواخ ولابنه إبراهيم بك مثل ذلك وأسكنوا ذلك الآغا ورفيقه وأتباعهما بمنزل إبراهيم بك ابن الباشا بالأزبكية بقنطرة الدكة وأرسل بإحضار ولده من ناحية قبلي فحضر على الهجن ولبس الخلعة بولايته على الصعيد فنزل بالجيزة وعدى إلى بر مصر عند أبيه بقصر شبرا ولبس الخلعة وأقام عند أبيه ثلاث ليال، ثم عدى إلى بر الجيزة وعندما وصل إلى البر أمر بتغريق السفينة بما فيها من الفرش، ثم أخرجوها وكذلك أمر من معه من الرجال بالغطوس في الماء وغسل ثيابهم كل ذلك خوفاً من رائحة الطاعون وتطيراً وهروباً من الموت.
وفي خامس عشرينه، سافر إبراهيم بك راجعاً إلى الصعيد.
وفيه حضر عرضي الباشا الذي كان سافر في ربيع الأول إلى الجهة القبلية ومعه الكتبة أيضاً المسلمون لتحرير حساب الأقباط ومساحة الأراضي.
وفي أواخره، نودي على أهل الجيزة باستمرار الكورنتينة شهري رجب وشعبان وأن يعطوا لهم فسحة للمتسببين والباعة ثلاثة أيام، وكذلك لمن يخرج أو إذا دخل لا يخرج إذا كلن عنده ما يكفيه ويكفي عياله في مدة الشهرين والثلاثة أيام المفسح لهم فيها ليقضوا أشغالهم واحتياجاتهم فخرج أهل البلدة بأسرهم، ولم يبق منهم إلا القليل النادر القادر وأيضاً تفرقوا في البلاد وبقي الكثير منهم حول البلدة وفي الغيطان حول بيادرهم وأجرانهم وعملوا لهم أعشاشاً تظلهم من حر الشمس ووهج الهجير وينادي المقيم بالبلدة بحاجته من أعلى السور لرفيقه أو صاحبه الذي هو خارج البلدة فيجيبه ويرد جوابه من مكان بعيد ولا يمكنونهم من تناول الأشياء وأما العسكر فإنهم يدخلون ويخرجون ويقضون حوائجهم ويشترون الخضراوات والبطيخ وغيره ويبيعونه على المقيمين بالبلدة بأغلى الأثمان وإذا أراد أحد من أهل البلدة الخروج منعوه من أخذ شيء من متاعه أو بهيمته أو شاته أو حماره ولا يخرج إلا مجرد بطوله.
وفي أواخره، وصل من الديار الرومية واصل وعلى يده مرسوم فقرأ بالمحكمة في يوم الأحد ثامن عشرينه بحضرة كتخدا بك والقاضي والمشايخ وأكبر الدولة والجم الغفير من الناس ومضمونه الأمر للخطباء في المساجد يوم الجمعة على المنابر بأن يقولوا عند الدعاء للسلطان فيقولوا السلطان بن السلطان بتكرير لفظ السلطان ثلاث مرات محمود خان بن السلطان عبد الحميد خان بن السلطان أحمد خان مغازي خادم الحرمين الشريفين لأنه استحق أن ينعت بهذه النعوت لكون عساكره افتتحت بلاد الحرمين وغزت الخوارج وأخرجتهم منها لأن المفتي أفناهم بأنهم كفار لتفكيرهم المسلمين ويجعلونهم مشركين ولخروجهم على السلطان وقتلهم الأنفس وأن من قاتلهم يكون مغازياً ومجاهداً وشهيداً إذا قتل، ولما انقضى المجلس ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وبولاق والجيزة وعملوا شنكاً واستمر ضربهم المدافع عند كل أذان عشرة أيام وذلك ونحوه من الخور.

.شهر رجب سنة 1228:

في منتصفه حضر بونابارته الخازندار من الديار الحجازية على طريق القصير.
وفي أواخره، سافر قهوجي باشا الذي تقدم ذكر حضوره بالخلع والشلنجات والخناجر بعدما أعطى خدمته مبلغاً من الأكياس وأصحب معه الباشا هدية عظيمة لصاحب الدولة وأكابرهم وقدره من الذهب العين أربعين ألف دينار ومن النصفيات يعني نصف الدينار ستون ألفاً ومن فروق البن خمسمائة فرق ومن السكر المكرر مرتين مائة قنطار ومن المكرر مرة واحدة مائتي قنطار ومائتا قدر صيني الذي يقال له أسكي معدن مملوءة بالمربيات وأنواع الشربات الممسك المطيب المختلف الأنواع ومن الخيول خمسون جواداً مرختة بالجوهر والنمدكش. واللؤلؤ والمرجان وخمسون حصاناً من غير رخوت وأقمشة هندية كشميري ومقصبات وشاهي ومهترخان في عدة تعابي بقج وبخور عود وعنبر وأشياء أخرى.
وفيه أيضاً حضر آغا يقال له جانم أفندي وصحبته مرسوم قرئ بالديوان في يوم الاثنين مضمونه البشارة بمولود ولد للسلطان وسموه عثمان واجتمع لسماع ذلك المشايخ والأعيان وضربوا بعد قراءته شنكاً ومدافع واستمر ذلك سبعة أيام في كل وقت من الأوقات الخمسة.
وفي يوم الثلاثاء عشرينه الموافق الثالث عشر مسرى القبطي وافى النيل المبارك أذرعه ونودي بذلك في الأسواق على العادة وكثر اجتماع غوغاء الناس للخروج إلى الروضة وناحية السد والولائم في البيوت المطلة على الخليج، وما يحصل من اجتماع الأخلاط أما جري الماء، كما هو المعتاد في كل سنة وأنه إذا نودي بالوفاء حصل ذلك الاجتماع في تلك الليلة وكسورا السد في صبحها عادة لا تتخلف فيما نعلم، فلما كان آخر النهار ورد الخبر بأن الباشا أمر بتأخير فتح الخليج إلى يوم الخميس ثانية فكان كذلك وخرج الباشا في صبح يوم الخميس وكسر السد وجرى الماء في الخليج وتكلف أرباب الدولة المطلة على الخليج كلفة ثانية لضيافتهم.

.شهر رمضان سنة 1228:

واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة وفي خامسه، يوم الثلاثاء حضر ابن الباشا المسمى بإسمعيل من الديار الرومية ووصل إلى ساحل النيل بشبرا وضربوا لوصوله مدافع من القلعة وبولاق وشبرا والجيزة وتقدم أنه توجه ببشارة الحرمين وأكرمته الدولة وأعطوه أطواخاً.
وفي عاشره، حضر قاصد من الديار الرومية، ووصل إلى ساحل النيل وصحبته بشارة بمولودة ولدت لحضرة السلطان فعملوا الديوان في القلعة واجتمع له المشايخ والأعيان وأكابر الدولة وقرئ الفرمان الواصل ف شأن ذلك وفي مضمونه الأمر للكافة بالفرح والسرور وعمل الشنك وبعد الفراغ من ذلك ضربت المدافع من أبراج القلعة واستمر ضربها في كل وقت أذان خمسة أيام وهذا لم يعهد في الدولة الماضية إلا للأولاد الذكور، وأما الإناث فليس لهن ذكر.
وفي ليلة الأربعاء سابع عشرينه، عمل الباشا جمعية ببيت الأزبكية وحضر الأعيان والمشايخ والقضاة الثلاثة وهم بهجت أفندي المنفصل عن قضاء مصر وصديق أفندي المتوجه إلى قضاء مكة المنفصل عن قضاء مصر العام الذي قبله والقاضي المتوجه إلى المدينة فعقدوا عقد ابنه إسمعيل باشا على ابنة عارف بك التي حضرت بصحبته من الديار الرومية وعقدوا عقد أخته ابنة الباشا على محمد أفندي الذي تقلد الدفتردارية ولما تم ذلك قدموا لهم تعابي بقج في كل واحدة أربع قطع من الأقمشة الهندية وهي شال كشميري وطاقة قطني هندي وطاقة شاهي وفرقوا على الدون من الناس الحاضرين محارم، ثم أن الباشا شرع في الاهتمام إلى سفر الحجاز وتشهيل المطاليب واللوازم فمن جملة ذلك أربعون صندوقاً من الصفيح المشمع داخلها بالشمع والمصطكي وبالخشب من خارج وفوق الخشب جلود البقر المدبوغ ليودع بها ماء النيل المغلي لشربه وشرب خاصته ومثلها في كل شهر يتقيد بعمل ذلك وغيره السيد المحروقي ويرسله في كل شهر.

.شهر شوال سنة 1228:

واستهل بيوم الأحد في سابعه يوم السبت، أداروا كسوة الكعبة وكانت مصنوعة من نحو خمس سنوات ومودعة في مكان بالمشهد الحسيني فأخرجوها في مستهل الشهر وقد توسخت لطول المدة فحلوها ومسحوها وكان عليها اسم السلطان مصطفى فغيروه وكتبوا اسم السلطان محمود فاجتمع الناس للفرجة عليها وكان المباشر لها الريس حسن المحروقي فركب في موكبها.
وفي ليلة السبت رابع عشره، خرج محمد علي باشا مسافراً إلى الحجاز وكان خروجه وقت طلوع الفجر من يوم السبت المذكور إلى بركة الحاج وخرج الأعيان والمشايخ لوداعه بعد طلوع النهار فأخذوا خاطره ورجعوا آخر النهار وركب هو متوجهاً إلى السويس بعد مضي ثمان ساعات وربع من النهار وبرزتن الخيالة والسفاشية إلى خارج باب النصر ليذهبوا على طريق البر وقبل خروج الباشا بيومين قدمت هجانة مبشرون بالقبض على عثمان المضايفي بناحية الطائف، وكان قد جرد على الطائف فبرز إليه الشريف غالب وصحبته عساكر الأتراك والعربان فحاربوه وحاربهم فأصيب جواده فنزل إلى الأرض واختلط بالعسكر فلم يعرفوه فخرج من بينهم ومشى وتباعد عنهم نحو أربع ساعات فصادفه جماعة من جند الشريف فقبضوا عليه وأصابته جراحة وعندما سقط من بين قومه ارتفع الحرب فيما بين الفريقين أخريات النهار ولما أحضروه إلى الشريف غالب جعل في رقبته الجنزير والمضايفي هذا زوج أخت الشريف وخرج عنه وانضم إلى الوهابيين فكان أعظم أعوانهم وهو الذي كان يحارب لهم ويقاتل ويجمع قبائل العربان ويدعوهم عدة سنين ويوجه السرايا على المخالفين ونما أمره واشتهر لذلك ذكره في الأقطار وهو الذي كان افتتح الطائف وحاربها وحاصرها وسبى النساء وهدم قبة ابن عباس الغريبة الشكل والوصف وكان هو المحارب للعسكر مع عربان حرب في العام الماضي بناحية الصفراء والجديدة وهزمهم وشتت شملهم، ولما قبضوا عليه أحضروه إلى جدة واستمر في الترسيم عند الشريف ليأخذ بذلك وجاهة عند الأتراك الذي هو على ملتهم ويتحقق لديهم نصحه لهم ومسالمته إياهم وسيلقى قريباً منهم جزاء فعله ووبال أمره، كما سيتلى عليك بعضه بعد قليل.

.شهر ذي القعدة سنة 1228:

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الثلاثاء وفي أوائله، وردت أخبار من الجهة الرومية بأن عساكر العثمانيين استولوا على بلاد بلغارد من أيدي طائفة الصرب وكانوا استولوا عليها نيفاً وأربعين سنة والله أعلم بصحة ذلك.
وفيه عزل محمود حسن من الحسبة وتقلدها عثمان آغا المعروف بالورداني.
وفي خامس عشره، وصل عثمان المضايفي صحبة المتسفرين معه إلى الريدانية آخر الليل وأشيع ذلك، فلما طلعت الشمس ضربوا مدافع من القلعة إعلاماً وسروراً بوصوله أسيراً وركب صالح بك السلحدار في عدة كبيرة وخرجوا لملاقاته وإحضاره، فلما واجه صالح بك نزع من عنقه الحديد وأركبه هجيناً ودخل به إلى المدينة وأماه الجاويشية والقواسة الأتراك وبأيديهم العصي المفضضة وخلفه صالح بك وطوائفه وطلعوا به إلى القلعة وأدخله إلى مجلس كتخدا بك وصحبته حسن باشا وطاهر باشا وباقي أعيانهم ونجيب أفندي قبي كتخدا الباشا ووكيله بباب الدولة وكان متأخراً عن السفر ينتظر قدوم المضايفي ليأخذه بصحبته إلى دار السلطنة فلما دخل عليهم أجلسوه معهم فحدثوه ساعة وهو يجيبهم من جنس كلامهم بأحسن خطاب وأفصح جواب وفيه سكون وتؤدة في الخطاب وظاهر عليه آثار الإمارة والحشمة والنجابة ومعرفة مواقع الكلام حتى قال الجماعة لبعضهم البعض يا أسفا على مثل هذا إذا ذهب إلى إسلامبول يقتلونه، ولم يزل يتحدث معهم حصة، ثم أحضروا الطعام فواكلهم، ثم أخذه كتخدا بك إلى منزله فأقام عنده مكرماً ثلاثاً حتى تمم نجيب أفندي أشغاله فأركبوه وتوجهوا به إلى بولاق وأنزلوه في السفينة مع نجيب أفندي ووضعوا في عنقه الجنزير وانحدروا طالبين الديار الرومية وذلك يوم الاثنين حادي عشرينه.
وفي أواخره، وصلت أخبار بأن مسعود الوهابي أرسل قصاداً من طرفه إلى ناحية جدة فقابلوا طوسون باشا والشريف غالب خلع عليهم وأخذهم إلى أبيه فخاطبهم وسألهم عما جاؤوا فيه فقالوا الأمير مسعود الوهابي يطلب الإفراج عن المضايفي ويفتديه بمائة ألف فرانسة، وكذلك يريد إجراء الصلح بينه وبينكم وكف القتال فقال لهم فإنه سافر إلى الدولة وأما الصلح فلا ناباه بشروط وهو أن يدفع لنا كل ما صرفناه على العساكر من أول ابتداء الحرب إلى وقت تاريخه وان يأتي بكل ما أخذه واستلمه من الجواهر والذخائر التي كانت بالحجرة الشريفة وكذلك ثمن ما استهلك منها وأن يأتي بعد ذلك ويتلاقى معي وأتعاهد معه ويتم صلحنا بعد ذلك وإن أبى ذلك فنحن ذاهبون إليه فقالوا له اكتب له جواباً فقال لا أكتب جواباً لأنه لم يرسل معكم جواباً ولا كتاباً، وكما أرسلكم بمجرد الكلام فعودوا إليه كذلك، فلما أصبح الصباح وقت انصرافهم أمر باجتماع العساكر فاجتمعوا ونصبوا ميدان الحروب والرمي المتتابع من البنادق والمدافع ليشاهد الرسل ذلك ويروه ويخبروا عنه مرسلهم.

.شهر ذي الحجة سنة 1228:

واستهل شهر ذي الحجة بيوم الأربعاء، وفي ليلة الأحد تاسع عشره، وقعت كائنة لطيف باشا وذلك أن المذكور مملوك الباشا أهداه له عارف بك وهو عارف أفندي بن خليل باشا المنفصل عن قضاء مصر نحو خمس سنوات واختص به الباشا وأحبه ورقاه في الخدم والمناصب إلى أن جعله أنختار أغاسي أي صاحب المفتاح وصار له حرمة زائدة وكلمة في باب الباشا وشهرة، فلما حصلت النصرة للعسكر واستولوا على المدينة وأتوا بمفاتيح زعموا أنها مفاتيح المدينة كان هو المتعين بها للسفر للديار الرومية بالبشارة للدولة وأرسلوا صحبته مضيان الذي كان متأمراً بالمدينة، ولما وصل إلى دار السلطنة ووصلت أخباره احتفل أهل الدولة بشأنه احتفالاً زائداً ونزلوا لملاقاته في المراكب في مسافة بعيدة ودخلوا إلى إسلامبول في موكب جليل وأبهة عظيمة إلى الغاية وسعت أعيان الدولة وعظماؤها بين يديه مشاة وركباناً وكان يوم دخوله يوماً مشهوداً وقتلوا مضيان المذكور في ذلك اليوم وعلقوه أعلى باب السراية وعملوا شنانك ومدافع وأفراحاً وولائم وأنعم السلطان على لطيف المذكور وأعطاه أطواخاً وأرسل إليه أعيان الدولة الهدايا والتحف ورجع إلى مصر في أبهة زائدة وداخله الغرور وتعاظم في نفسه، ولم يحتفل الباشا بأمره، وكذلك أهل دولته لكونه من جنس المماليك وأيضاً قد تأسست عداوتهم في نفوسهم وكراهتهم له أشد من كراهتهم لأبنائنا وخصوصاً كتخدا بك فإنه أشد الناس عداوة وبغضاً في جنس المماليك وطفق يلقي لمخدومه ما يغير خاطره عليه ومنها أنه يضم إليه أجناسه من المماليك البطالين ليكونوا عزوته ويغترون به بحيث أن الباشا فوض إليه الأمر إن ظهر منه شيء في غيابه وسافر الباشا في أثر ذلك واستمر لطيف باشا مع الجماعة في صلف وهم يحدقون عليه ويرصدون حركاته ويتوقعون ما يوجب الإيقاع به وهو في غفلة وتيه لا يظن بهم سوا فطلب من الكتخدا الزيادة في رواتبه وعلائفه لسعة دائرته وكثرة حواشيه ومصاريفه فقال له الكتخدا أنا لست صاحب الأمر،وقد كان هنا ولم يزدك شيئاً فراسله وكاتبه فإن أمر بشيء فأنا لا أخالف مأمورياته وتزايد هو والحاضرون في الكلام والمفاقمة ففارقهم على غير حالة ونزل إلى داره وأرسل في العشية إلى مماليك الباشا ليحضروا إليه في الصباح ليعمل معهم ميدان رماحة على العادة وأسر إليهم أن يصبحوا ما خف من متاعهم وأسلحتهم، فلما أصبحوا استعدوا، كما أشار إليهم وشدوا خيولهم ووصل خبرهم إلى الكتخدا فطلب كبيرهم وسأله فأخبره أن لطيف باشا طلبهم ليعمل معهم رماحة فقال أن هذا اليوم ليس هو موعد الرماحة ومنعهم من الركوب وفي الحال أحضر حسن باشا وأحمد آغا المسمى بونابارته الخازندار وصالح بك السلحدار وإبراهيم آغا أغات الباب ومحو بك وخلافهم ودبوس أوغلي وإسمعيل باشا بن الباشا ومحمود بك الدويدار وتوافق الجميع على الإيقاع به وأصبحوا يوم السبت مجتمعين، وقد بلغه الخبر وأخذوا عليه الطرق وأرسلوا يطلبونه للحضور في مجلسهم فامتنع وقال ما المراد من حضوري فنزل إليه دبوس أوغلي وخدعه، فلم يقبل فركب وعاد إليه ثانياً يأمره بالخروج من مصر إن لم يحضر مجلسهم فقال أما الحضور فلا يكون، وأما الخروج فلا أخالف فيه بشرط أن يكون بكفالة حسن باشا أو طاهر باشا فإني لا آمن أن يتبعوني ويقتلوني وخصوصاً وقد أوقفوا بجميع الطرق ففارقه دبوس أوغلي فتحير في أمره وأمر بشد الخيول وأراد الركوب، فلم يتسع له ذلك، ولم يزل في نقض وإبرام إلى الليل فشركوا الجهات وأبواب المدينة أيضاً بالعساكر وكثر جمعهم بالقلعة وأبوابها وفي تاسع ساعة من الليل نزل حسن باشا ونحو بك في نحو الألفين من العسكر واحتاطوا بداره في سويقة العزى، وقد أغلق داره فصاروا يضربون عليه بالبنادق والقرابين إلى آخر الليل، فلما أعياهم ذلك هجموا على دور الناس التي حوله وتسلقوا عليه من الأسطحة ونزلوا إلى سطح داره وقتلوا من صادفوه من عسكره وأتباعه واختفى هو في مخبأة أسفل الدار مع ستة أشخاص من الجواري ومملوك واحد، وعلم بمكانهم أغات الحريم فداروا في الدار يفتشون عليه، فلم يجدوه فنهبوا جميع ما في الدار، ولم يتركوا بها شيئاً وسبوا الحريم والجواري والمماليك والعبيد، وكذلك ما حوله وما جاوره من دور الناس ودور حواشيه وهم نيف وعشرون داراً حتى حوانيت الباعة وغيرهم التي بالخطة ودار علي كتخدا صالح الفلاح هذا ما جرى بتلك الناحية وباقي نواحي المدينة لا يدورون بشيء من ذلك إلا أنهم لما طلع نهار يوم الأحد وخرج الناس إلى الأسواق والشوارع وجدوا العساكر مائجة وأبواب البلد مغلقة وحولها العساكر مجتمعة ومنهم من يعدو ومعه شيء من المنهوبات فامتنع الناس من فتح الحوانيت والقهاوي التي من عادتهم التبكير بفتحها وظنوا ظناً واستمر لطيف باشا بالمخبأة إلى الليل واشتد به الخوف وتيقن أن العبد الطواشي سينم عليه ويعرفهم بمكانه، فلما أظلم الليل وفرغوا من النهب والتفتيش وخلا المكان خرج من المخبأة بمفرده ونط من الأسطحة حتى خلص إلى دار خازنداره وصحبته كبير عسكره وآخر يسمى يوسف كاشف دياب من بقايا الأجناد المصرية وباتوا بقية تلك الليلة ويوم الاثنين والكتخدا وأهل دولته يدأبون في الفحص والتفتيش عليه ويتهمون كثيراً من الناس بمعرفة مكانه ومحمود بك داره بالقرب من داره أوقف أشخاصاً من عسكره على الأسطحة ليلاً ونهاراً لرصده، وكان المذكور له اعتقاداً في شخص يسمى حسن أفندي اللبلبي ولبلب لفظ تركي علم على الحمص المجوهر أي المقلي ومن شأن حسن أفندي هذا أنه رجل درويش يدخل بيوت الأعيان والأكابر من الناس الأتراك وغيرهم وفي جيوبه من ذلك الحمص فيفرق على أهل المجلس منه ويلاطفهم ويضاحكهم ويمزح معهم ويعرف باللغة التركية ويجانس الفريقين فمن أعطاه شيئاً أخذه ومن لم يعطه لم يطلب منه شيئاً وبعضهم يقول له انظر ضميري أو فالي فيعد على سبحته أزواجاً وأفراداً، ثم يقول ضميرك كذا وكذا فيضحكون منه فوشى بحسن أفندي هذا إلى كتخدا بك وباقي الجماعة بأنه كان يقول لطيف باشا أنه سيلي سيادة مصر وأحكامها ويقول له هذا وقت انتهاز الفرصة في غيبة الباشا ونحو ذلك وجسموا الدعوى وأنه كان يعتقد صحة كلامه ويزوره في داره ورتب له ترتيباً وأشاعوا أنه أراد أن يضم إليه أجناس المماليك والخاملين من العساكر وغيرهم ويعطيهم نفقات ويريد إثارة فتنة ويعتال الكتخدا بك وحسن باشا وأمثالهما على حين غفلة ويتملك القلعة والبلد وأن اللبلبي يغريه على ذلك وكل وقت يقول له جار وقتك ونحو ذلك من الكلام الذي المولى جل جلاله أعلم بصحبته فأرسل كتخدا بك إلى اللبلبي فحضر بين يديه في يوم الاثنين فسأله عنه فقال لا أدري فقال انظر في حسابك هل نجده أم لا فأمسك سبحته وعدها كعادته وقال إنكم تجدونه وتقتلونه، ثم إن الكتخدا أشار إلى أعوانه فأخذوه ونزلوا به وأركبوه على حماره وذهبوا به إلى بولاق فأنزلوه في مركب وانحدروا به إلى شلقان وشلحوه من ثيابه وأغرقوه في البحر. ي نواحي المدينة لا يدورون بشيء من ذلك إلا أنهم لما طلع نهار يوم الأحد وخرج الناس إلى الأسواق والشوارع وجدوا العساكر مائجة وأبواب البلد مغلقة وحولها العساكر مجتمعة ومنهم من يعدو ومعه شيء من المنهوبات فامتنع الناس من فتح الحوانيت والقهاوي التي من عادتهم التبكير بفتحها وظنوا ظناً واستمر لطيف باشا بالمخبأة إلى الليل واشتد به الخوف وتيقن أن العبد الطواشي سينم عليه ويعرفهم بمكانه، فلما أظلم الليل وفرغوا من النهب والتفتيش وخلا المكان خرج من المخبأة بمفرده ونط من الأسطحة حتى خلص إلى دار خازنداره وصحبته كبير عسكره وآخر يسمى يوسف كاشف دياب من بقايا الأجناد المصرية وباتوا بقية تلك الليلة ويوم الاثنين والكتخدا وأهل دولته يدأبون في الفحص والتفتيش عليه ويتهمون كثيراً من الناس بمعرفة مكانه ومحمود بك داره بالقرب من داره أوقف أشخاصاً من عسكره على الأسطحة ليلاً ونهاراً لرصده، وكان المذكور له اعتقاداً في شخص يسمى حسن أفندي اللبلبي ولبلب لفظ تركي علم على الحمص المجوهر أي المقلي ومن شأن حسن أفندي هذا أنه رجل درويش يدخل بيوت الأعيان والأكابر من الناس الأتراك وغيرهم وفي جيوبه من ذلك الحمص فيفرق على أهل المجلس منه ويلاطفهم ويضاحكهم ويمزح معهم ويعرف باللغة التركية ويجانس الفريقين فمن أعطاه شيئاً أخذه ومن لم يعطه لم يطلب منه شيئاً وبعضهم يقول له انظر ضميري أو فالي فيعد على سبحته أزواجاً وأفراداً، ثم يقول ضميرك كذا وكذا فيضحكون منه فوشى بحسن أفندي هذا إلى كتخدا بك وباقي الجماعة بأنه كان يقول لطيف باشا أنه سيلي سيادة مصر وأحكامها ويقول له هذا وقت انتهاز الفرصة في غيبة الباشا ونحو ذلك وجسموا الدعوى وأنه كان يعتقد صحة كلامه ويزوره في داره ورتب له ترتيباً وأشاعوا أنه أراد أن يضم إليه أجناس المماليك والخاملين من العساكر وغيرهم ويعطيهم نفقات ويريد إثارة فتنة ويعتال الكتخدا بك وحسن باشا وأمثالهما على حين غفلة ويتملك القلعة والبلد وأن اللبلبي يغريه على ذلك وكل وقت يقول له جار وقتك ونحو ذلك من الكلام الذي المولى جل جلاله أعلم بصحبته فأرسل كتخدا بك إلى اللبلبي فحضر بين يديه في يوم الاثنين فسأله عنه فقال لا أدري فقال انظر في حسابك هل نجده أم لا فأمسك سبحته وعدها كعادته وقال إنكم تجدونه وتقتلونه، ثم إن الكتخدا أشار إلى أعوانه فأخذوه ونزلوا به وأركبوه على حماره وذهبوا به إلى بولاق فأنزلوه في مركب وانحدروا به إلى شلقان وشلحوه من ثيابه وأغرقوه في البحر.
وفي ذلك اليوم عرفهم أغات حريم لطيف باشا بعد أن هددوه وقرروه عن محل أستاذه وأخبرهم أنه في المخبأة وأراهم المكان ففتحوه فوجدوا به الجواري الستة والمملوك، ولم يجدوه معهم فسألوهم عنه فقالوا أنه كان معنا وخرج ليلة أمس، ولم نعلم أين ذهب فأخرجوهم وأخذوا ما وجدوه في المخبأة من متاع وسروج ومصاغ ونفوذ وغير ذلك، فلما كان بعد الغروب من ليلة الثلاثاء اشتد بلطيف باشا الخوف والقلق فأراد أن ينتقل من بيت الخازندار إلى مكان آخر فطلع إلى السطح وصعد على حائط يريد النزول منها هو ورفيقه البيوكباشي ليخلص إلى حوش مجاور لتلك الدار فنظرهما شخص من العسكر المرصد بأعلى سطح دار محمود بك الدويدار فصاح على القريبين منه لينتبهوا له، فعندما صاح ضربه لطيف باشا رصاصة فأصابته وتنبهت المرصدون بالنواحي عند سماع الصيحة وبندقة الرصاصة وتسارعوا إليه من كل ناحية وقبضوا عليه وعلى ورفيقه وأتوا بهما إلى محمود بك فبات عنده ورمحت المبشرون إلى بيوت الأعيان يبشرونهم بالقبض عليه ويأخذون على ذلك البقاشيش، فلما طلع نهار يوم الثلاثاء طلع به محمود بك إلى القلعة وقد اجتمع أكابرهم بديوان الكتخدا واتفقوا على قتله ووافقهم على ذلك إسمعيل ابن الباشا بما نمقوه عليه لأنه في الأصل مملوك صهره عارف بك، فعندما وصل إلى الدرج قبض عليه الأعوان وهو بجانب محمود بك فقبض بيده على علاقة سيفه وهو يقول بالتركي عرظندايم يعني أنا في عرضك وماتت يده على قيطان السيف فأخرج بعضهم سكيناً وقطع القيطان وجذبوه إلى أسفل سلم الركوبة وأخذوا عمامته وضربه المشاعلي بالسيف ضربات ووقع إلى الأرض، ولم ينقطع عنقه فكملوا ذبحه مثل الشاة وقطعوا رأسه وفعلوا برفيقه كذلك وعلقوا رؤوسهما تجاه باب زويلة طول النهار.
وفي ثاني يوم وهو يوم الأربعاء ثاني عشرينه، أحضروا أيضاً يوسف كاشف دياب وقتلوه أيضاً عند باب زويلة وانقضى أمرهم والله أعلم بحقيقة الحال وفتح أهل الأسواق حوانيتهم بعد ما تخيل الناس بأنها ستكون فتنة عظيمة وان العسكر ينهبون المدينة وخصوصاً الكائنون بالعرضي خارج باب النصر فإنهم جياع وبردانون وغالبهم مفلس لأن معظمهم من الجدد الواردين الذين لم يحصل لهم كسب من نهب أو حادث واقع أدركوه ولولا أنهم أوقفوا عساكر عند الأبواب منعتهم من العبور لحصل منهم غاية الضرر.
وانقضت السنة وحوادثها التي ربما استمرت إلى ما شاء الله بدوامها وانقضائها، فمنها أن الباشا لما فرغ من أمر الجهة القبلية بعدما ولى ابنه إبراهيم باشا عليها وحرر أراضي الصعيد وقاس جملة أراضيه وفدنه وضبطه بأجمعه ولم يترك منه إلا ما قل وضبط لديوانه جميع الأراضي الميرية والإقطاعات التي كانت للملتزمين من الأمراء والهوارة وذوي البيوت القديمة والرزق الأحباسية والسراوي والمتأخرات والمرصد على الأهالي والخيرات وعلى البر والصدقة وغير ذلك مثل مصارف الولاية التي رتبها أهلي الخير المتقدمون لأربابها رغبة منهم في الخير وتوسعة على الفقراء المحتاجين وذوي البيوت والدواوير المفتوحة المعدة إطعام الطعام للضيفان والواردين والقاصدين وأبناء السبيل والمسافرين، فمن ذلك أن بناحية سهاج دار الشيخ عارف وهو رجل مشهور كأسلافه ومعتقد بتلك الناحية وغيرها ومنزله محط الرجال الوافدين والقاصدين من الأكابر والأصاغر والفقراء والمحتاجين فيقرى الكل بما يليق بهم ويرتب لهم التراتيب والاحتياجات وعند انصرافهم بعد قضاء أشغالهم يزودوهم ويهاديهم بالغلال والسمن والعسل والتمر والأغنام وهذا دأبه ودأب أسلافه من قبله على الدوام والاستمرار ورزقته المرصدة التي يزرعها وينفق منها ستمائة فدان فضبطوها، ولم يسمحوا له منها إلا بمائة فدان بعد التوسط والترجي والتشفع وأمثال ذلك بجرجا وأسيوط ومنفلوط وفرشوط وغيرها وإذا قال المتشفع والمترجي للمتآمر ينبغي مراعاة مثل هذا ومسامحته لأنه يطعم الطعام وتنزل بداره الضيفان فيقول ومن كلفه بذلك فيقال له وكيف تفعل إذا نزلت به الضيوف على حسب ما اعتادوه فيقول يشترون ما يأكلون بدارهم من أكياسهم أو يغلقون أبوابهم ويستقلون بأنفسهم وعيالهم ويقتصدون في معايشهم فيعتادون ذلك وهذا الذي يفعلونه تبذير وإسراف ونحو ذلك على حسب حالهم وشأنهم في بلادهم ويقول الديوان أحق بهذا فإن عليه مصاريف ونفقات ومهمات ومحاربات الأعداء وخصوصاً افتتاح بلاد الحجاز ولما حضر إبراهيم باشا إلى مصر، وكان أبوه على أهبة السفر إلى الحجاز حضر الكثير من أهالي الصعيد يشكون ما نزل بهم ويستغيثون ويتشفعون بوجهاء المشايخ وغيرهم فإذا خوطب الباشا في شيء من ذلك يعتذر بأنه مشغول البال واهتمامه بالسفر وأنه أناط أمر الجهة القبلية وأحكامها وتعلقاتها بابنه إبراهيم باشا وأن الدولة قلدته ولاية الصعيد فأنا لا علاقة لي بذلك وإذا خوطب ابنه أجابهم بعد المحاججة بما تقدم ذكره، ونحو ذلك وإذا قيل له هذا على مسجد فيقول كشفت على المساجد فوجدتها خراباً والنظار عليها يأكلون الإيراد والخزينة أولى منهم ويكفيهم أني أسامحهم فيما أكلوه في السنين الماضية والذي وجدته عامراً أطلقت له ما يكفيه وزيادة وأني وجدت لبعض المساجد أطياناً واسعة وهي خراب ومعطلة والمسجد يكفيه مؤذن واحد وأجرته نصفان وأمام مثل ذلك وأما فرشه وأسراجه فإني أرتب له راتباً من الديوان في كل سنة فإذا تكرر عليه الرجاء أحال الأمر على أبيه ولا يمكن العود إليه لحركاته وتنقلاته وكثرة أشغاله وزوغانه،ولما زاد الحال بكثرة المتشكين والواردين وبرز الباشا للسفر بل وسافر بالفعل، فلم يمكث بعده ابنه إلا أياماً قليلة يبيت بالجيزة نيلة وعند أخيه ببولاق ليلة أخرى، ثم سافر راجعاً إلى الصعيد يتمم ما بقي عليه لأهله من العذاب الشديد فإنه فعل بهم فعل التتار عندما جالوا بالأقطار وأذل أعزة أهله وأساء أسوأ لسوء معهم في فعله فيسلب نعمهم وأموالهم ويأخذ أبقارهم وأغنامهم ويحاسبهم على ما كان في تصرفهم واستهلكوه أو يحتج عليهم بذنب لم يقترفوه، ثم يفرض عليهم المغارم الهائلة والمقادير من الأموال التي ليست أيديهم إليها طائلة ويلزمهم بتحصيلها وغلاقها وتعجيلها فتعجز أيديهم عن الإتمام فعند ذلك يجري عليهم أنواع الآلام من الضرب والتعليق والكي بالنار والتحريق فإنه بلغني والعهدة على الناقل أنه ربط الرجل ممدوداً على خشبة طويلة وأمسك بطرفيها الرجال وجعلوا يقلبونه على النار المضرمة مثل الكباب وليس ذلك ببعيد على شاب جاهل سنه دون العشرين وحضر من بلده ولم ير غير ما هو فيه لم يؤدبه مؤدب ولا يعرف شريعة ولا مأمورات ولا منهيات وسمعت أن قائلاً قال له وحق من أعطاك قال ومن هو الذي أعطاني قال له ربك قال له إنه لم يعطني شيئاً والذي أعطاني أبي فلو كان الذي قلت فإنه كان يعطيني وأن ببلدي وقد جئت وعلى رأسي قبع مزفت مثل المقلاة فلهذا لم تبلغه دعوى ولم يتخلق إلا بأخلاق التي دربه عليها والده وهي تحصيل المال بأي وجه كان فأنزل بأهل الصعيد الذل والهوان فلقد كان به من المقادم والهوارة كل شهم يستحي الرئيس من مكالمته والنظر إليه بالملابس الفاخرة والأكراك السمور والخيول المسومة والأنعام والأتباع والجند والعبيد والأكمام الواسعة والمضايف والأنعامات والإغداقات والتصدقات وخصوصاً أكابرهم المشهورون وهمام وما أدراك ما همام، وقد تقدم في ترجمته ما يغني عن الإعادة فخربت دور الجميع وتشتتوا وماتوا غرباء ومن عسر عليه مفارقة وطنه جرى عليه ما جرى على غيره وصار في عداد المزارعين، وقد رأيت بعض بني همام، وقد حضروا إلى مصر ليعرضوا حالهم على الباشا لعله يرفق بهم ويسامحهم في بعض ما ضبطه ابنه من تعلقاتهم يتعيشون به وهم أولاد عبد الكريم وشاهين ولدى همام الكبير ومعهم حريمهم وجواريهم وزوجة عبد الكريم ويقولون لها الست الكبيرة وهي أم أولاده، فلما وصلوا إلى ساحل مصر القديمة ورأى أرباب ديوان المكس الجواري وعدتهن ثلاثة حجزوهن وطالبوهم بكمركهن فقالوا هؤلاء جوارنا للخدمة وليسوا مجلوبين للبيع، فلم يعبئوا بذلك وقبضوا منهم ما قبضوه، ثم أنهم لم يتمكنوا من الباشا وكان إذ ذاك قد توجه إلى الفيوم وعاد إلى العرضي مسافراً إلى الحجاز فاستمروا بمصر حتى نفذت نفقاتهم ورأيتهم مرة مارين بالشارع وهم مخلقنون وفيهم صغير مراهق واتفق أنهم تفاقموا مع ابن عمهم وهو عمر وشكوه إلى مصطفى بك دالي باشا بأنه حاف عليهم في أشياء من استحقاقهم دعوى مفلس على مفلس فأحضره وحبسه مدة وما أدرى ما حصل لهم بعد ذلك وهكذا. اني أبي فلو كان الذي قلت فإنه كان يعطيني وأن ببلدي وقد جئت وعلى رأسي قبع مزفت مثل المقلاة فلهذا لم تبلغه دعوى ولم يتخلق إلا بأخلاق التي دربه عليها والده وهي تحصيل المال بأي وجه كان فأنزل بأهل الصعيد الذل والهوان فلقد كان به من المقادم والهوارة كل شهم يستحي الرئيس من مكالمته والنظر إليه بالملابس الفاخرة والأكراك السمور والخيول المسومة والأنعام والأتباع والجند والعبيد والأكمام الواسعة والمضايف والأنعامات والإغداقات والتصدقات وخصوصاً أكابرهم المشهورون وهمام وما أدراك ما همام، وقد تقدم في ترجمته ما يغني عن الإعادة فخربت دور الجميع وتشتتوا وماتوا غرباء ومن عسر عليه مفارقة وطنه جرى عليه ما جرى على غيره وصار في عداد المزارعين، وقد رأيت بعض بني همام، وقد حضروا إلى مصر ليعرضوا حالهم على الباشا لعله يرفق بهم ويسامحهم في بعض ما ضبطه ابنه من تعلقاتهم يتعيشون به وهم أولاد عبد الكريم وشاهين ولدى همام الكبير ومعهم حريمهم وجواريهم وزوجة عبد الكريم ويقولون لها الست الكبيرة وهي أم أولاده، فلما وصلوا إلى ساحل مصر القديمة ورأى أرباب ديوان المكس الجواري وعدتهن ثلاثة حجزوهن وطالبوهم بكمركهن فقالوا هؤلاء جوارنا للخدمة وليسوا مجلوبين للبيع، فلم يعبئوا بذلك وقبضوا منهم ما قبضوه، ثم أنهم لم يتمكنوا من الباشا وكان إذ ذاك قد توجه إلى الفيوم وعاد إلى العرضي مسافراً إلى الحجاز فاستمروا بمصر حتى نفذت نفقاتهم ورأيتهم مرة مارين بالشارع وهم مخلقنون وفيهم صغير مراهق واتفق أنهم تفاقموا مع ابن عمهم وهو عمر وشكوه إلى مصطفى بك دالي باشا بأنه حاف عليهم في أشياء من استحقاقهم دعوى مفلس على مفلس فأحضره وحبسه مدة وما أدرى ما حصل لهم بعد ذلك وهكذا.
تخفض العالي وتعلى من سفل.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال النعم ونزول النقم.
وأما من مات في هذه السنة فمات الأستاذ الشهير والجهبذ النحرير الرئيس المفضل والفريد المبجل نادرة عصره ووحيد دهره الشيخ شمس الدين محمد أبو الأنوار ابن عبد الرحمن المعروف بابن عارفين سبط بني الوفاء وخليفة السادات الحنفاء وشيخ سجادتها ومحط رحال سيداتها وشهرته غنية عن مزيد الإفصاح ومناقبه أطهر من البيان والإيضاح وأمه السيدة صفية بنت الأستاذ جمال الدين يوسف أبي الإرشاد ابن وفا وتزوج بها الخواجا عبد الرحمن المعروف بعارفين فأولدها المترجم وأخاه الشيخ يوسف، وكان أسن منه فتربى مع أخيه في حجر السيادة والصيانة والحشمة وقرأ القرآن وتولع بطلب العلم وحضر دروس أشياخ الوقت وتلقى طريقه أسلافه وأورادهم وأخرابهم عن خاله الأستاذ شمس الدين محمد أبو الإشراق ابن وفا عن عمه الشيخ عبد الخالق عن أبيه الشيخ يوسف أبي الإرشاد عن والده أبي التخصيص عبد الوهاب إلى آخر السند المنتهى إلى الأستاذ أبي الحسن الشاذلي ولازم العلامة القدوة الشيخ موسى البجيرمي فحضر عليه، كما ذكره في برنامج شيوخه أم البراهين وشرح المصنف عليها والآجرومية وشرحها للشيخ خالد وشرح الستين مسألة للجلال المحلي وهو أول أشياخه، ثم لازم الشيخ خليلاً المغربي فحضر عليه شرح إيساغوجي لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري وشرح العصام على السمرقندية والفاكهي على القطر ومتن التوضيح والأشموني على الخلاصة ورسالة الوضع والمغنى، وحضر دروس شيخ الشيوخ الشيخ أحمد الميجري الملوي في صحيح البخاري والشيخ عبد السلام علي الجوهرة وأجازه بمروياته ومؤلفاته الإجازة العامة، وكذلك إجازة الشيخ أحمد الجوهري الشافعي إجازة عامة وإجازة خاصة بطريقة مولاي عبد الله الشريف ولازم وقرأ وشارك ولده الشيخ محمد الجوهري الصغير وحضر أيضاً دروس الأستاذ الحفني في شرح التلخيص للسعد التفتازاني وشرح التحرير لشيخ الإسلام وشرح الإلفية لابن عقيل والأشموني وحضر دروس الشيخ عمر الطحلاوي المالكي في شرح الآجرومية للشيخ خالد وشيئاً من شرح الهمزية للعلامة بن حجر وشيئاً من تفسير الجلالين والبيضاوي، وحضر الشيخ مصطفى السندوبي الشافعي في شرح ابن القاسم الغزي علي أبي شجاع وعلي السيد البليدي في شرح التهذيب للخبيصي وعلى الشيخ عطية الأجهوري الشافعي في شرح الخطيب علي أبي شجاع وشرح التحرير لشيخ الإسلام وتفسير الجلالين وعلى الشيخ محمد الناري شرح السلم لمصنفه وشرح التحرير وعلى الشيخ أحمد القوصي شرح الورقات الكبير لابن قاسم العبادي وسمع المسلسل بالأولية من عالم أهال المغرب في وقته الشيخ محمد بن سودة التاودي الفاسي المالكي عند وروده مصر في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف بقصد الحج وكتب له إجازة بخطه مع سنده وإجازة أيضاً بدلائل الخيرات وأحزاب الشاذلي وكذلك تلقي الإجازة من الأستاذ المسلك عبد الوهاب بن عبد السلام العفيفي المرزوقي وتلقى أيضاً أمام الحرم المكي الشيخ إبراهيم ابن الرئيس محمد الزمزمي الإجازة بالمسبعات واستجازه هو أيضاً بما لأسلافه من الأحزاب وكناه بأبي الفوز وذلك في سنة تسع وسبعين ومائة وألف بمكة سنة حجة المترجم.
ولما مات السيد محمد أبو هادي وانقرضت بموته سلسلة أولاد الظهور وذلك في سنة ست وسبعين ومائة وألف وتاقت نفس المترجم لخلافة بيتهم وتهيأ لذلك ولبس التاج أيضاً والعصابة التي يجعلونها عليه فلم يتم له ذلك وعورض بسيدي أحمد بن إسمعيل بك المعروف بالدالي المكني بأبي الإمداد لأنه في طبقته في النسب وأمه السيدة أم المفاخر ابنة الشيخ عبد الخالق باتفاق أرباب الحل والعقد لكونه من بيت الأمارة وقد صار منزلهم كمنازل الأمراء في الاتساع والتأنق والمجالس المزخرفة والقيعان والقصور وفي ضمنه البستان بالنخيل والأشجار وما يجتنى منها من الفواكه والثمار لأن معظم الوجاهة والسيادة في هذه الأزمان بالمساكن الأنيقة والملابس الفاخرة وكثرة الإيراد والخدم والحشم خصوصاً إن اقترن بذلك شيء من المزايا المتعدية من بذل الإحسان وإكرام الضيفان فعند ذلك يصير ربه قطب الزمان وفريد العصر والأوان فلو فرضنا أن شخصاً اجتمعت فيه أوصاف الكمالات المحنوية والمعارف الدينية وخلا عما ذكر وكان صعلوكاً قليل المال كثير العيال فلا يعد في الرجال ولا يلتفت إليه بحال حكم إلهية وأحكام ربانية، فلما تقلدها سيدي أحمد المذكور دون المترجم بقي متطلعاً يسلي نفسه بالأماني، ثم قصد الحج في سنة تسع وسبعين، كما ذكر فلما عاد من الحج تزوج بوالدة الشيخ محمد أبي هادي وأسكنها بمنزل ملاصق لدار الخليفة توصلاً وتقرباً لمأموله ولم تطل مدة الشيخ أبي الإمداد وتوفي سنة اثنتين وثمانين، كما ذكرناه في ترجمته وعند ذلك لم يبق للمترجم معارض وقد مهد أحواله وتثبت أمره مع من يخشى صولته ومعارضته من الأشياخ وغيرهم ودفن السيد أحمد وركب المترجم في صبحها مع أشياخ الوقت والشيخ أحمد البكري وجماعة الحزب ونقبائهم إلى الرباط بالخرنفش ودخل إلى خلوة جدهم فجلس بها ساعة وقرأ أرباب الحزب وظيفتهم، ثم ركب مع المشايخ إلى أمير البلدة، وكان إذ ذاك علي بك فخلع عليه وركبوا إلى دارهم ومحل سيادتهم المعهودة وأصبح متقلداً خلافة أسلافهم ومشيخة سجادتهم، فكان لها أهلاً ومحلاً وتقدم على أخيه الشيخ يوسف مع كونه أسن منه لما فيه من زيادة الفضيلة ولما ثبطه به من مخادعته وسلامة صدر أخيه وحسن ظنه فيه وانتظم أمره وأحسن سلوكه بشهامة وحشمة ورآسة وتؤدة وأدب مع الأشياخ والأقران وتحبب إلى أرباب المظاهر والأكابر واستجلاب الخواطر وسلوك الطرائق الحميدة والتباعد عن الأمور المخلة بالمروءة والأخذ بالحزم والرفق مع الاشتغال في بعض الأحيان بالمطالعة والمذاكرة في المسائل الدينية والأدبية ومعاشرة الفضلاء ومجالستهم والمناقشة معهم في النكات واقتناء الكتب من كل فن كل ذلك مع الجد والتحصيل للأسباب الدنيوية، وما يتوصل به إلى كثرة الإيراد بحسن تداخل وجميل طريقة مبعدة عما يخل بالمقدار بحيث يقضي مرامه من العظيم وجميل الفضل له ويراسل ويكاتب ويشاحح على أدنى شيء ويحاسب ولا يدفع لأرباب الأقلام عوائدهم المقررة في الدفاتر بل يرون أخذها منه من الكبائر، وكذلك دواوين المكوس المبني على الإجحاف فكل ما نسب له فيها فهو معاف، وكلما طال الأمد زاد المدد وخصوصاً إذا تقلبت الدول وارتفعت السفل كان الأسبق القديم في أعينهم هو الجليل العظيم وهم لديه صغار لا ينظر إليهم إلا بعين الاحتقار، ولما انقرضت بقايا الشيوخ الذين كان يهابهم ويخضع لهم ويتأدب معهم وكانوا على طرائق الأقدمين في العفة والانجماع عما يخل بتعظيم العلم وأهله والتباعد عن بني الدنيا إلا بقدر الضرورة وخلف من بعدهم من هم على خلاف ذلك وهم أعاظم مدرسي الوقت فأحدقوا به وأكثروا من الترداد عليه وعلى موائده وبالغوا في تعظيمه وتقبيل يده ومدحوه بالقصائد البليغة طمعاً في صلاته وجائزه القليلة وحصول الشهرة لهم وزوال الخمول والتعارف بمن يتردد إلى داره من الأمراء والأكابر وزاد هو أيضاً وجهاً ووجاهة بمجالستهم ولا يريهم فضلاً بسعيهم إليه ويزداد كبراً وتيهاً وبلغ به أنه لا يقوم لأكثرهم إذا دخل عليه ومنهم من يدخل بغاية الأدب فيضم ثيابه ويقول عند مشاهدته يا مولاي يا واحد فيجيبه هو بقوله يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم فإذا حصل بالقرب منه بنحو ذراعين حبا على ركبتيه ومد يمينه لتقبيل يده أو طرف ثوبه وأما الأدون فلا يقبل إلا طرف ثوبه وكذلك أتباعه وخدمه الخواص وإذا كان من أهل الذمة أو كبار المباشرين وقبلوا يده وخاطبهم في أشغاله وهم قيام وانصرفوا طلب الطست والإبريق وغسل يده بالصابون لإزالة أثر أفواههم ولا يجيب في رد التحية إلا بقول خير خير ولا يقطع غالب أوقاته مع مجالسيه وخاصته ومسامريه إلا بانتقاد أهل مصره وغيبة أهل عصره وتنبسط نفسه لذلك وإليه يصغى كلا إن الإنسان ليطغى وفي سنة تسعين ومائة وألف ورد إلى مصر عبد الرزاق أفندي رئيس الكتاب ومن أكابر أهل الدولة فتداخل معه واصطحب به وأهدى إليه هدايا واستدعاء وإضافة وحضر في ذلك العام محمد باشا المعروف بالعزتي والياً على مصر فأنهى إليه بمعونة الرئيس المذكور احتياج زاوية أسلافه للعمارة ودعا الباشا لزيارة قبورهم في يوم المولد المعتاد السنوي وذكر له المقصود وأظهر به بعض الخلل وزين له ذلك الفعل وأنه من تمام الشعائر الإسلامية والمشاهد التي يجب الاعتناء بشأنها والسعي والطواف بحرمها وكان المعين والسفير والمساعد في ذلك أيضاً شيخنا محدث العصر السيد محمد مرتضى وهو عند العثمانيين مقبول القول وكان عبد الرزاق الرئيس يتلقى عنه المسلسلات والإجازات وقرأ عليه مقامات الحريري فأجاب الباش ووعد بإتمام ذلك وكاتب الدولة وورد الأمر بإطلاق خمسين كيساً لمصرف العمارة من خزينة مصر فشرع في هدم حوائطها ووسعها عن وضعها الأصلي واندرس في جدرانها قبور ومدافن وحوطها وزخرفها بالنقوش وأنواع الرخام الملون والمموه بالذهب والأعمدة والرخام ثم كاتب الدولة وأنهى أن ذلك القدر لم يكف وأن العمارة لم تكمل والإحسان بالإتمام فأطلقوا له خمسين كيساً أخرى وأتمها على هذا الوضع الذي هو عليه الآن وأنشأ حولها مساكن ومخادع ووسع القصر الملاصق لها المختص به لجلوسه ومواضع الحريم أيام المولد، ثم أرسل في أثر ذلك كتخداه ووزيره الشيخ إبراهيم السندوبي إلى دار السلطنة بمكاتبات وعرض لرجال الدولة والتمس رفع ما على قرية زفتا وغيرها مما في حوزه من الالتزام من المال الميري الذي يدفع إلى الديوان في كل سنة، وكان إبراهيم المذكور غاية في الدهاء والحيل الساسانية والتصنعات الشيطانية والتخليطات الوهمية وتقلبات الملامية فتمم مرامه بما ابتعه من المخرقة والإيهامات الملفقة، ولم يدفع ما جرت به العادة من العوائد بل اجتلب خلاف ذلك فوائد، ولما حضر حسن باشا الجزايرلي إلى مصر على رأس القرن وخرج الأمراء المصريون إلى الجهة القبلية واستباح أموالهم وقبض على نسائهم وأولادهم وأمر بإنزالهم سوق المزاد وبيعهم زاعماً أنهم أرقاء المال وفعل ذلك فاجتمع الأشياخ وذهبوا إليه فكان المخاطب له المترجم قائلاً له أنت أتيت إلى هذه البلدة وأرسلك السلطان إلى إقامة العدل ورفع الظلم، كما تقول أو لبيع الأحرار وأمهات الأولاد وهتك الحريم فقال هؤلاء أرقاء لبيت المال فقال له هذا لا يجوز ولم يقل به أحد فاغتاظ غيظاً شديداً وطلب كاتب ديوانه وقال له اكتب أسماء هؤلاء وأخبر السلطان بمعارضتهم لأوامره فقال له السيد محمود البنوفري أكتب ما تريد بل نحن نكتب اسمانا بخطنا فأفحم وانكف عن إتمام قصده وأيضاً تتبع أموالهم وودائعهم، وكان إبراهيم بك الكبير قد أودع عند المترجم وديعة وكذلك مراد بك أودع عند محمد أفندي البكري وديعة وعلم ذلك حسن باشا فأرسل عسكراً إلى السيد البكري، فلم تسعه المخالفة وسلم ما عنده وأرسل كذلك يطلب من المترجم وديعة إبراهيم بك فامتنع من دفعها قائلاً أن صاحبها لم يمت، وقد كتبت على نفسي وثيقة فلا أسلم ذلك ما دام صاحبها في قيد الحياة فاشتد غيظ الباشا منه وقصد البطش به فحماه الله منه ببركة الأنصار للحق فكان يقول لم أر في جميع الممالك التي ولجتها من اجترأ على مخالفتي مثل هذا الرجل فإنه أحرق قلبي ولما ارتحل إلى مصر ورجع المصريون إلى دولتهم حصل من مراد بك في حق السيد البكري ما حصل وغرمه مبلغاً عظيماً باع فيه إقطاعه في نظير تفريطه في وديعته واحتج عليه بامتناع نظيره وحصل له قهر تمرض بسببه وتسلسل به المرض حتى مات ويقال أن مراد بك أرسل إليه الحكيم ودس له السم في العلاج، ثم مات رحمه الله وكانت منه هفوة ولا بد للجواد من كبوة ومن لم ينظر في العواقب فليس له الدهر بصاحب حتى قيل أنه هو الذي عرف حسن باشا عن ذلك لينال به زيادة في الحظوة عنده ويترك منها حصة لنفسه بقرينة ما ظهر عليه في عقب ذلك من التوسع ولقد غلب على ظنه بل وظن غالب الناس انقراض المصريين وغفلوا عن تقلبات الدهر في كل حين، وأما المترجم فإنه لما أخذ بالحزم سلم ورد الأمانة إلى صاحبها حين قدم وحسنت فيهم سيرته وزادت عندهم محبته وفي عقب ذلك نزل السيد محمد أفندي البكري المذكور عن وظيفة نظر المشهد الحسيني للمترجم وأرسل إليه بصندوق دفاتر الوقف وكان نظر المشهد يبيتهم مدة طويلة ووعده المترجم بأن يبدله عنه وظيفة النظر على وقف الشافعي، فلما حصل الفراغ واحتوى على الدفاتر نكث وطمع على الوظيفتين بل ومد يده إلى غيرهما لعدم من يعارضه ولا يدافعه من الأمراء وغيرهم مثل نظر المشهد النفيسي والزيتي وباقي الأضرحة الكثيرة الإيراد التي يصاد بها الدنيا من كل ناد وتأتيها الخلائق بالقربانات وأنواع النذورات وأخذ يحاسب المباشرين وخدمة الأضرحة المذكورة على الإيرادات والنذورات ويحاققهم على الذرات ويسبهم ويهينهم ويضربهم بالجريد المحمص على أرجلهم وفعل ذلك بالسيد بدوي مباشر المشهد الحسيني وهو من وجهاء الناس الذين يخشى جانبهم ومشهور ومذكور في المصر وغيره وكان معظم انقباض السيد البكري ونزوله عن نظر المشهد ضيق صدره من المذكور ومناكدته له واستيلاءه على المحل ومحصول الوقف والتقصير في مصارفه اللازمة وينسب التقصير للناظر وكان رحمه الله عظيم الهمة يغلب عليه الحياء والمسامحة ويرى خلاف ذلك من سفاسف الأمور فتنصل من ذلك وترك فعله لغيره، فلما أوقع المترجم بالسيد بدوي وباقي عظماء السدنة ما أوقع انقمع الباقون وذلوا وخافوه أشد الخوف ووشوا على بعضهم البعض وطفق يطالبهم بالنذور والشموع والأغنام والعجول وما يتحصل من صندوق الضريح من المال وكانوا يختصون بذلك كله وأقلهم في رفاهية من العيش وجمع المال مع السفالة والشحاذة حتى من الفقير المعدم المفلس والكسرة الناشفة، وكان إذا أراد الإيقاع بشخص أو إهانته وخشي عاقبة ذلك أو لو ما يلحقه ممن ينتصر له مهد له الطريق سراً قبل الإيقاع به فإنه لما أراد ضرب السيد بدوي طاف على الشيخ العروسي وأمثاله وأسرهم ما في نفسه وامتدت يده أيضاً إلى شهود بيت القاضي فكان إذا بلغه أن أحدهم كتب حجة استبدال وإجارة مكان مدة طويلة لناظر أم مستحق، وكان ذلك المكان يؤول بعد انقراض مستحقيه لضريح من الأضرحة التي تحت نظره أحضر ذلك الكاتب ووبخه ولعنه ولربما ضربه وأبطل تلك المكاتبة ومحاها من سجل القاضي أو يصالحونه على تنفيذ ذلك مع أنها لا تؤول إلى تلك الجهة إلا بعد سنين وأعوام متطاولة وقد نص علماء الشرع على أن الوقف والنذر للقبور والأضرحة باطل فإن قيل بصحته على الفقراء قلنا أن سدنة هذه الأضرحة ليسوا بفقراء بل هم الآن أغنى الناس والفقراء حقيقة خلافهم من أولاد الناس الذين لا كسب لهم والكثير من أهل العلم الخاملين والذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، ولما استولى المترجم على وظيفة نظر المشهد الحسيني قهر السيد بدوي المباشر المذكور وأخذ دار سكنه شرقي المسجد وأخرجه منها وهدمها وأنشأها داراً لنفسه ينزل بها أيام المولد المعتاد ويأتي إليها في كل جمعة أو جمعتين، ولما تم بناؤها ونظامها وقرب وقت أيام المولد انتقل إليها بخدمه وحريمه وتقدم إليها حكام الشرطة بأمر الناس والمناداة على أهل الأسواق والحوانيت بالسهر بالليل ووقود السرج والقناديل خمس عشرة ليلة المولد، وكان في السابق ليلة واحدة وأحدثوا في تلك الليالي سيارات وجمعيات وطبولاً وزموراً ومناور ومشاعل وجمع خلائق من أوباش العالم الذين ينتسبون إلى الطرائق كالأحمدية والسعدية والشعيبية ويتجاوبون في وسط الطبول بألفاظ مستهجنة ينادون بها مشايخ طرقهم بكلمات وعبارات تشمئز منها الطباع وأمرهم بان يمروا من تحت داره ودعا أمراء البلدة في ظرف تلك الأيام متفرقين ودعا عابدين باشا يوم المولد، ولما سكن بتلك الدار وهي قبالة الميضاة والمراحيض فكان يتضرر من الرائحة فقصد إبطالها من تلك الجهة فاشترى داراً قبلي المسجد وهي بجانب حائط المسجد الجنوبية الفاصلة بينها وبين المسجد وأدخل منها جانباً في المسجد وزاد فيه مقدار باكية وجعلها مرتفعة عن أرض المسجد درجة لتمتاز عن البناء القديم وجعل به محراباً وخلفه خلوة يسلك إليها من باب بصدر الليوان المذكور إلى فسحة لطيفة أمام الخلوة وبالخلوة شباك مطل على الليوان الصغير الذي بقبة الضريح وأنشأ فيما بقي من الدار ميضاة ومراحيض وفتح لها باباً من داخل المسجد من آخره بجانب باب السبيل وأبطل الميضاة القديمة لانحراف مزاجه وتأذيه من رائحتها وعبور الناس من داخل وخارج إلى هذه الجديدة وأتت عليها عدة أيام ففاحت الروائح على المصلين ومن بالمسجد وما انضاف إلى ذلك أيضاً من البلل والتقذير من أرجل الأوباش لقربها من المسجد فلغط الناس ومن يحضر في أوقات الصلاة من أتراك خان الخليلي والتجار وشنعوا القالة وقاموا قومة واحدة وأغلقوا الباب وأبطلوا تلك الميضاة ومنعوا من دخولها وساعدهم المتصوفون من أجناسهم فانكسف بال المترجم لذلك ولم يمكنه تنفيذ فعله وأعاد الميضاة القديمة، كما كانت وجعل المستجدة مربطاً للحمير يستغل أجرته بعد أن أزال تلك الميضاة ومحا أثر ذلك وكان بناء هذه الزيادة سنة ست بعد المائتين، ثم زاد في منزل سكنهم زيادة من ناحية البركة المعروفة ببركة الفيل خلف البستان أخذ في تلك الزيادة مقداراً كبيراً من أرض البركة وأنشأ مجلساً مربعاً متسعاً مطلاً على البركة من جهتيه وبوسطه عامود من الرخام وبلط دور قاعته بالرخام وجعل به مخدعاً وخارجه فسحة كبيرة وشبابيكها مطلة على البركة وصارت القاعة القديمة المعروفة بالغزال الملتفت بابها في ضمن الفسحة وبها باب القيطون وسمى هذه المنشية الأسعدية وبتلك الفسحة باب يدخل منه إلى منافع ومرافق، ثم عن له التغيير والتبديل لأوضاع البيت من ناحية أخرى فهدم الساتر على القاعة الكبيرة وفسحتها وهي التي يسمونها بأم الأفراح وهي من إنشاء الشيخ أبي التخصيص وهي أعظم المجالس التي بدارهم مزخرفة بالنقوش الذهب والقيشاني الصيني بجميع حيطانها والرخام الملون وبها الفسقية والسلسبيل والقمريات الملونة فكشف حائطها وأدخل فسحتها في رحبة الحوش وهدم القاعة الأخرى التي كان يصعد إليها بسلم من الفسحة الأخرى وأبطل الحواصل التي أسفلها وساواها بالأرض وعمل بها فسقية بالرخام ومرافقها من داخلها وبها باب يتوصل منه إلى الحريم وسماها الأنوارية نسبة لكنيته وأمامها فسحة عظيمة ديوان بدكك وكراسي بجانب البستان وبها الطرقة والدهليز الممتد بوسط البستان الموصل إلى القاعة المسماة بالغزال والأسعدية وهدم المقعد القديم الذي به العامود وقناطره وما كان بظاهر الحاصل المسمى بحاصل السجادة من الحواصل السفلية وجعله مسجداً يصلي فيه الجمعة وجعل فيه منبراً للخطبة وذلك لبعد المساجد الجامعة عن داره وتعاظمه عن السعي الكثير والاختلاط بالعامة وأخذ قطعة وافرة من بيت كتخدا الجاويشية وسع بها البستان وغرس بها الأشجار والرياحين والثمار وأفنى غالب عمره في تحصيل الدنيا وتنظيم المعاش والرفاهية واقتناء كل مرغوب للنفس وشراء الجواري والمماليك والعبيد والحبوش والخصيان والتأنق في المآكل والمشارب والملابس واستخراج الأدهان والعطريات المفرحة والمنعشة للقوة وتعاظم في نفسه وتعالى على أبناء جنسه حتى أنه ترفع على لبس التاج وحضور المحيا بالأزهر ليلة المعراج وكذا الحضور في مجلس وردهم الذي هو محل عزهم وفخرهم وصار يلبس قاووقاً بعمامة خضراء تسبها بأكابر الأمراء وبعدا عن التشبه بالمتعممين والفقهاء والمقرئين، ولما طالت أيامه وماتت أقرانه والذين كان يستحي منهم ويهابهم وتقلبت عليه الدول واندرجت أكابر الأمراء وتأمر أتباعهم ومماليكهم الذين كانوا يقومون على أقدامهم بين يدي مخاديمهم وأسيادهم جلوس بالأدب مع المترجم لا جرم كانت هيبته في قلوبهم أعظم من أسلافهم واستصغاره هو لهم، كذلك فكان يصدعهم بالكلام وينفذ أمره فيهم ويذكر الأمير الكبير بقوله ولدنا الأمير فلان وحوائجه عندهم مقضية وكلامه لديهم مسموع وشفاعته مقبولة وأوامره نافذة فيهم وفي حواشيهم وحريماتهم واتفق أن بعض أعاظم المباشرين من الأقباط توقف معه في أمر فأحضره ولعنه وسبه وكشف رأسه وضربه على دماغه بزخمة من الجلد، ولم يراع حرمة أميره وهو إذا ذاك أمير البلدة، ولما شكا إلى مخدومه ما فعل به قال له ما تريد أن أصنع بشيخ عظيم ضرب نصرانياً فرحم الله عظامهم. بقبة الضريح وأنشأ فيما بقي من الدار ميضاة ومراحيض وفتح لها باباً من داخل المسجد من آخره بجانب باب السبيل وأبطل الميضاة القديمة لانحراف مزاجه وتأذيه من رائحتها وعبور الناس من داخل وخارج إلى هذه الجديدة وأتت عليها عدة أيام ففاحت الروائح على المصلين ومن بالمسجد وما انضاف إلى ذلك أيضاً من البلل والتقذير من أرجل الأوباش لقربها من المسجد فلغط الناس ومن يحضر في أوقات الصلاة من أتراك خان الخليلي والتجار وشنعوا القالة وقاموا قومة واحدة وأغلقوا الباب وأبطلوا تلك الميضاة ومنعوا من دخولها وساعدهم المتصوفون من أجناسهم فانكسف بال المترجم لذلك ولم يمكنه تنفيذ فعله وأعاد الميضاة القديمة، كما كانت وجعل المستجدة مربطاً للحمير يستغل أجرته بعد أن أزال تلك الميضاة ومحا أثر ذلك وكان بناء هذه الزيادة سنة ست بعد المائتين، ثم زاد في منزل سكنهم زيادة من ناحية البركة المعروفة ببركة الفيل خلف البستان أخذ في تلك الزيادة مقداراً كبيراً من أرض البركة وأنشأ مجلساً مربعاً متسعاً مطلاً على البركة من جهتيه وبوسطه عامود من الرخام وبلط دور قاعته بالرخام وجعل به مخدعاً وخارجه فسحة كبيرة وشبابيكها مطلة على البركة وصارت القاعة القديمة المعروفة بالغزال الملتفت بابها في ضمن الفسحة وبها باب القيطون وسمى هذه المنشية الأسعدية وبتلك الفسحة باب يدخل منه إلى منافع ومرافق، ثم عن له التغيير والتبديل لأوضاع البيت من ناحية أخرى فهدم الساتر على القاعة الكبيرة وفسحتها وهي التي يسمونها بأم الأفراح وهي من إنشاء الشيخ أبي التخصيص وهي أعظم المجالس التي بدارهم مزخرفة بالنقوش الذهب والقيشاني الصيني بجميع حيطانها والرخام الملون وبها الفسقية والسلسبيل والقمريات الملونة فكشف حائطها وأدخل فسحتها في رحبة الحوش وهدم القاعة الأخرى التي كان يصعد إليها بسلم من الفسحة الأخرى وأبطل الحواصل التي أسفلها وساواها بالأرض وعمل بها فسقية بالرخام ومرافقها من داخلها وبها باب يتوصل منه إلى الحريم وسماها الأنوارية نسبة لكنيته وأمامها فسحة عظيمة ديوان بدكك وكراسي بجانب البستان وبها الطرقة والدهليز الممتد بوسط البستان الموصل إلى القاعة المسماة بالغزال والأسعدية وهدم المقعد القديم الذي به العامود وقناطره وما كان بظاهر الحاصل المسمى بحاصل السجادة من الحواصل السفلية وجعله مسجداً يصلي فيه الجمعة وجعل فيه منبراً للخطبة وذلك لبعد المساجد الجامعة عن داره وتعاظمه عن السعي الكثير والاختلاط بالعامة وأخذ قطعة وافرة من بيت كتخدا الجاويشية وسع بها البستان وغرس بها الأشجار والرياحين والثمار وأفنى غالب عمره في تحصيل الدنيا وتنظيم المعاش والرفاهية واقتناء كل مرغوب للنفس وشراء الجواري والمماليك والعبيد والحبوش والخصيان والتأنق في المآكل والمشارب والملابس واستخراج الأدهان والعطريات المفرحة والمنعشة للقوة وتعاظم في نفسه وتعالى على أبناء جنسه حتى أنه ترفع على لبس التاج وحضور المحيا بالأزهر ليلة المعراج وكذا الحضور في مجلس وردهم الذي هو محل عزهم وفخرهم وصار يلبس قاووقاً بعمامة خضراء تسبها بأكابر الأمراء وبعدا عن التشبه بالمتعممين والفقهاء والمقرئين، ولما طالت أيامه وماتت أقرانه والذين كان يستحي منهم ويهابهم وتقلبت عليه الدول واندرجت أكابر الأمراء وتأمر أتباعهم ومماليكهم الذين كانوا يقومون على أقدامهم بين يدي مخاديمهم وأسيادهم جلوس بالأدب مع المترجم لا جرم كانت هيبته في قلوبهم أعظم من أسلافهم واستصغاره هو لهم، كذلك فكان يصدعهم بالكلام وينفذ أمره فيهم ويذكر الأمير الكبير بقوله ولدنا الأمير فلان وحوائجه عندهم مقضية وكلامه لديهم مسموع وشفاعته مقبولة وأوامره نافذة فيهم وفي حواشيهم وحريماتهم واتفق أن بعض أعاظم المباشرين من الأقباط توقف معه في أمر فأحضره ولعنه وسبه وكشف رأسه وضربه على دماغه بزخمة من الجلد، ولم يراع حرمة أميره وهو إذا ذاك أمير البلدة، ولما شكا إلى مخدومه ما فعل به قال له ما تريد أن أصنع بشيخ عظيم ضرب نصرانياً فرحم الله عظامهم.
واتفق أيضاً أن جماعة من أولاد البلد ووجهائها اجتمعوا ليلة بمنزل بعض أصحابهم وتباسطوا فأخذ بعضهم يسخر ويقلد بعض أصحاب المظاهر فوشى للمترجم مجلسهم وأنهم أدرجوه في سخريتهم فتسماهم وأحضرهم واحد بعد واحد وعزرهم بالضرب والإهانة فكان كل قليل يقع في بيته الضرب والإهانة لأفراد من الناس، وكذلك فلاحو الحصص التي حازها والتزم بها فإنه زادني خراجهم عن شركائه ويفرض عليهم زيادات ويحبسهم عليها شهوراً ويضربهم بالكرابيج وبالجملة فقد قلب الوضع وغير الرسم المطبوع بعد أن كان منزلهم محل سلوك ورشاد وولاية واعتقاد فصار كبيت حاكم الشرطة يخافه من غلط أدنى غلطة ويتحاماه الناس من جميع الأجناس وجلساؤه ومرافقوه لا يعارضونه في شيء بل يوافقونه ولا يتكلمون معه إلا بميزان وملاحظة الأركان ويتأدبون معه في رد الجواب وحذف كاف الخطاب ونقل الضمائر عن وضعها في غالب الألفاظ بل كلها حتى في الآثار المروية والأحاديث النبوية وغير ذلك من المبالغات وتحسين العبارات والوصف بالمناقب الجليلة والأوصاف الجميلة حتى أن السيد حسيناً المنزلاوي الخطيب كان ينشئ خطباً يخطب بها يوم الجمعة التي يكون المترجم حاضراً فيها بالمشهد الحسيني وبزاويتهم أيام المولد ويدرج فيها الإطراء العظيم في المترجم والتوسل به في كشف المهمات وتفريج الكروب وغفران الذنوب حتى أني سمعت قائلاً يقول بعد الصلاة لم يبق على الخطيب إلا أن يقول اركعوا واسجدوا واعبدوا شيخ السادات، ولما قدمت الفرنساوية إلى الديار المصرية في أوائل سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف لم يتعرضوا له في شيء وراعوا جانبه وأفرجوا عن تعلقاته وقبلوا شفاعاته وتردد إليه كبيرهم وأعاظمهم وعمل لهم ولائم وكنت أصاحبه في الذهاب إلى مساكنهم والتفرج على صنائعهم ونقوشهم وتصاويرهم وغرائبهم إلى أن حضر ركب العثمانيين في سنة خمسة عشرة وحصلت بينهم المصالحة على انتقال الفرنساوية من أرض مصر ورجوعهم إلى بلادهم على شروط اشترطوها بينهم وبين وزير الدولة العثمانية.
ومنها حسابات تدفع إليهم وأخرى تخصم عليهم وظن المترجم وخلافه إتمام الأمر والارتحال لا محالة، فعند ذلك لحقه الطمع فذكر مصلحة دفعها لكاتب جيشهم في نظير الإفراج عن تعلقاته وأرسل يطلبها من بوسليك مدبر الجمهور وكذلك ما قبضه ترجمانه فقال هذه عوائد لا بد منها ودخلت في حساب الجمهور وتغير خاطرهم منه وكانت منه هفوة ترتب عليها بينهم وبينه الجفوة، ولما انتقض الصلح وحصلت المفاقمة ووقعت المحاربة في داخل المدينة وتترست العساكر الإسلامية وأهل البلد في النواحي والجهات وانقطع الجالب عن أهل البلد مدة ستة وثلاثين يوماً التزم أغنياء الناس وأصحاب المظاهر الإطعام والإنفاق على المحاربين والمقاتلين في جهتهم ونواحيهم والتزم المترجم كغيره الإنفاق على من حوله، فلما انقضت أيام المحاربة وانتصر الفرنساوية ورجع الوزير ومن معه إلى جهة الشام منهزمين، فعند ذلك انتقم الفرنساوية من المبارزين لهم بأخذ المال بدلاً عن الأرواح وقبضوا على المترجم وحبسوه وأهانوه أياماً وفرضوا عليه قدراً عظيماً من المال قام بدفعه، كما ذكرنا ذلك مفصلاً في محله وقيل أن الذي زاد الفرنساوية إغراء به مراد بك حين اصطلح معهم وعمل لهم ضيافة ببر الجيزة وسببه أنه لما دهمت الفرنساوية وطلعوا الإسكندرية ووصل الخبر إلى مصر اجتمع الأمراء بالمساطب وطلبوا المشايخ ليشاوروا في هذا الحادث فتكلم المترجم وخاطبهم بالتوبيخ وقال كل هذا سوء فعالكم وظلمكم وآخر أمرنا معكم ملكتمونا للإفرنج وشافه مراد بك وخصوصاً بأفعالك وتعديك أنت وأمرائك على متاجرهم وأخذ بضائعهم وإهانتهم فحقدها عليه وكتمها في نفسه حتى اصطلح مع الفرنساوية وألقى إليهم ما ألقاه ففعلوا ما ذكر وذلك في ثاني يوم الضيافة، فلما رجع العثمانية في السنة الثانية إلى مصر بمعونة الإنكليز وصاروا بالقرب من المدينة حبسوا المترجم مع من حبس بالقلعة من أرباب المظاهر خوفاً من إحداثهم فتنة بالبلدة، ومات ولده الذي كان سماه محمداً نور الله وهو معوق ومميوع فأذنوا له في حضور جنازة ولده فنزل وصحبته شخص حرسي منهم فلازمه حتى واراه وعاد به ذلك الحرسي إلى القلعة، وكان هذا الولد مراهقاً له من العمر اثنتا عشرة سنة كان في أمله أن يكون هو الخليفة في بيتهم بعده ويأبى الله إلا ما يريد، ولما انفصل الأمر وارتحل الفرنساوية من أرض مصر ودخل إليها يوسف باشا الوزير ومن معه تقدم المترجم يشكو إليه حاله وما أصابه وادعى الفقر والإملاق مع أن الفرنساوية لم يحجزوا عنه شيئاً من تعلقاته وإيراده وجعل شكواه وما حصل له سلماً للإفرنج عن جميع تعلقاته وإيراده من غير حلوان كغيره من الناس وزاد على ذلك أشياء ومطالب ومسامحات ودعا الوزير إلى داره وأفراد رجال الدولة الذين بيدهم مقاليد الأمور وعاد إلى حالته في التعاظم والكبرياء وارتحل الوزير بعد استقرار محمد باشا خسرو على ولاية مصر وكان سموحاً وكذلك شريف أفندي الدفتردار فرمح في غفلتهما واستكثر في التحصيل والإيراد إلى أن تقلبت الأحوال وعادت للمصريين في سنة ثمان عشرة، ثم خروجهم وما وقع من الحوادث التي تقدم ذكرها واستقر محمد علي باشا وثبتت قدمه بمعونة العامة والسيد عمر مكرم بمملكة مصر وشرع في تمهيد مقاصده فكان السيد عمر يمانعه فدبر على إخراجه من مصر وجمع المشايخ وأحضر المترجم وخلع عليه وقلده النقابة واخرج السيد عمر من مصر منفياً إلى دمياط، وذلك في سنة أربع وعشرين، كما تقدم ووافق فعله ذلك عرض المترجم بل ربما كان بمعونته لحقده الباطني على السيد عمر وتشوفه إلى النقابة وادعائه أنها كانت ببيتهم لكون الشيخ أبي هادي تولاها أياماً، ثم تولاها بعده أبو الإمداد، ثم نزل عنها لمحمد أفندي البكري الكبير، فلم يزل في نفس المترجم التطلع لنقابة الإشراف ويصرح بقوله أنها من وظائفنا القديمة وأحضر بها مرسوماً من دار السلطنة وأخفاه ولم يظهره مدة حياة محمد أفندي البكري الكبير، فلما مات وتقلدها ولده محمد أفندي ادعاها وأظهر المرسوم وشاع خبر ذلك فاجتمع الجم الغفير من الأشراف بالمشهد الحسيني ممانعين وقائلين لا نرضاه نقيباً ولا حكماً علينا، فلم يتم مراده، فلما توفي محمد أفندي الصغير ظن أنه لم يبق له فيها منازع فلا يشعر إلا وقد تقلدها السيد عمر بمعونة مراد بك وإبراهيم بك لصحبته معهما ومرافقته لهما في الغربة حين كان المصريون بالصعيد فسكت على ضغن وغيظ يخفيه تارة ويظهره أخرى وخصوصاً وهو يرى أن السيد عمر في ذلك دون ذلك بكثير، فلما خرج الفرنساوية ودخل الوزير إلى مصر وصحبته السيد عمر متقلداً للنقابة، كما كان وانفصل عنها السيد خليل البكري وارتفع شأن السيد عمر وزاد أمره بمباشرة الوقائع وولاية محمد علي باشا وصار بيده الحل والعقد والأمر والنهي والمرجع في الأمور الكلية والجزئية والمترجم يحقد عليه في الباطن ويظهر له خلافه وهو الآخر كذلك. بة حين كان المصريون بالصعيد فسكت على ضغن وغيظ يخفيه تارة ويظهره أخرى وخصوصاً وهو يرى أن السيد عمر في ذلك دون ذلك بكثير، فلما خرج الفرنساوية ودخل الوزير إلى مصر وصحبته السيد عمر متقلداً للنقابة، كما كان وانفصل عنها السيد خليل البكري وارتفع شأن السيد عمر وزاد أمره بمباشرة الوقائع وولاية محمد علي باشا وصار بيده الحل والعقد والأمر والنهي والمرجع في الأمور الكلية والجزئية والمترجم يحقد عليه في الباطن ويظهر له خلافه وهو الآخر كذلك.
ولكنني أخشاه وهو يخافني فيخفي ويبدو بيننا البغض والود، فلما أخرج الباشا السيد عمر وتقلد المترجم النقابة وبلغ مأموله عند ذلك أظهر الكامن في نفسه وصرح بالمكروه في حق السيد عمر ومن ينتمي إليه أو يواليه وسطر فيه عرضاً محضراً إلى الدولة نسب إليه أنواعاً من الموبقات التي منها أنه أدخل جماعة من الأقباط في الأشراف وقطع أناساً من الشرفاء المستحقين وصرف راتبهم للأقباط المدخلين ومنها أنه تسبب في خراب الإقليم وإثارة الفتن وموالاة البغاة المصريين وتطميعهم في المملكة حتى أنه وعدهم بالهجوم على البلدة يوم قطع الخليج في غفلة الباشا والناس والعساكر وأنه هو الذي أغرى المصريين على قتل علي باشا برغل الطرابلسي حين قدم والياً على مصر وهو الذي كاتب الإنكليز وطمعهم في البلاد مع الألفي حين حضروا إلى إسكندرية وملكوها ونصر الله عليهم العساكر الإسلامية وغير ذلك من عبارات عكس القضية وتمنيق الأغراض النفسانية وكتب الأشياخ عليه خطوطهم وطبعوا تحتها ختومهم ما عدا الطحطاوي الحنفي فإنه تنحى عن الشرور وامتنع من شهادة الزور فأوسعوه سخطاً ومقتاً وعزلوه من الأفتا وقد تقدم خبر ذلك في حوادث سنة أربع وعشرين وإنما المعنى بإعادة ذلك لك هنا تتمة لترجمة المشار إليه وحذار من نقصها النسيان لأكثر جملها فلو سلمت الفكرة من النسيان لفاقت سيرته، كان وكان وفي سنة ست وعشرين أنشأ داراً عظيمة بجانب المنزل وصرف جملاً من المال وأنشأ بها مجالس وقاعات ورواشن ومنافع ومرافق وفساقي وأنشأ فيها بستاناً غرس فيه أنواع الأشجار المثمرة وأدخل به ما حازه من دور الأمراء المتخربة وكان السيد خليل البكري اشترى داراً بدرب الفرن وذلك بعد خروج الفرنساوية وخمول أمره وعزله من مشيخة البكرية والنقابة وأنشأ بها بستاناً أنيقاً وأنشأ قصراً برسم ولده مطلاً على البستان فلما توفي السيد خليل تعدى على ولده سيدي أحمد وقهره وأخذ منه ذلك البستان بأبخس الأثمان وخلطه ببستان الدار الجديد وبنى سوره وأحاطه وأقام حائطاً بينه وبين دار المذكور وطمسها وأعماها وسدت الحائط شبابيك ذلك القصر وأظلمته، ولم يزل كلما طال عمره زاد كبره وقل بره وتعدى شره، ولما ضعفت قواه تقاعد عن القيام لأعاظم الناس إذا دخل عليه محتجاً بالإعياء والضعف ولازم استعمال المنعشات والمركبات المفرحة ولا يصلح العطار ما أفسد الدهر.
وفي شهر شوال من السنة التي توفي فيها أحضر ابن أخيه سيدي أحمد الذي تولى المشيخة بعده وألبسه خلعة وتاجاً وجعله وكيلاً عنه في نقابة الأشراف وأركبه فرساً بعباءة وأرسله إلى الباشا صحبة سيدي محمد المعروف بأبي دفية وأمامه جاويشية النقابة على العادة، فلما دخلا إلى الباشا وعرفه المرسول بأن عمه أقامه وكيلاً عنه فقال مبارك فأشارك إليه أن يلبسه خلعة فقال ان موكله ألبسه، ولم يتقلدها بالأصالة ولو كنت قلدته أنا كنت أخلع عليه وألبسه فقال ونزل إلى داره التي أسكنه بها عمه وهي الدار التي عند المشهد الحسيني وحضر إليه الناس للسلام والتهنئة وفي هذه السنة أيضاً عن للمترجم أن يزيد في المسجد الحسيني زيادة مضافة لزيادته الأولى التي كان زادها في سنة ست ومائتين وألف فهدم الحائط التي كان بناها الجنوبية وأدخل القطعة التي كان عمل بها الميضاة وزاد باكية أخرى وصف عواميد وصارت مع القديمة ليواناً جديداً وشرع في بناء دار عظيمة لينزل فيها وقت مجيئه هناك في أيام المولد وغيره عوضاً عن الدار التي نزل عنها لابن أخيه فتكون هذه بعيدة عن روائح الميضاة القديمة وتكون بالشارع وتمر من تحتها مواكب الأشاير ولا يحتاجون إلى تعديهم المسجد ودخولهم من طريق باب القبة وجعل بالحائط الفاصل بين الزيادة والدار المستجدة شبابيك مطلة على المسجد لينظر منها المجالس والوقودات من يكون بالدار من الحريم وغيرهم، فما هو إلا وقد قرب إتمام ذلك إلا وقد زاد به الإعياء والمرض وانقطع عن النزول من الحريم وتمت الزيادة، ولم يبلق إلا إتمام الدار فيستعجل ويشتم المشد والمهندس وينسب إليهم إهمال استحثاث العمال ويقول قد قرب المولد، ولم تكمل الدار فأين نجلس أيام المولد هذا كل يوم يزيد مرضه وتورمت قدماه وضعف عن الحركة وهو يقول ذلك ويؤمل الحياة، فلما زاد به الحال وتحقق الرحيل إلى مغفرة المولى الجليل أوصى لأتباعه بدارهم ولذي الفقار الذي كان كتخدا الألفي والآن في خوالة بستان الباشا الذي بشبرا بخمسمائة ريال لكون زوجته خشداشة حريمه هما من جواري إسمعيل بك الكبير وليكون معيناً لها ومساعداً في مهماتها ولسيدي محمد أبي دفية مثلها في نظير خدمته وتقيده وملازمته له وأوصى أن لا يغسل إلا على سريره الهندي الذي كان ينام عليه في ليكون مخالفاً للناس حتى في حال الموت، فلما كان يوم الأحد ثامن عشر ربيع الأول من السنة انقضى نحبه وتوفي إلى رحمة الله تعالى وقت العصر وبات بالمنزل ميتاً، فلما أصبح يوم الاثنين غسل وكفن، كما أوصى على السرير وخرجوا بجنازته من المنزل ووصلوا بها إلى الأزهر فصلى عليه بعد ما أنشد المنشد مرثية من إنشاء العلامة الشيخ حسن العطار وجعل براعة استهلالها الإشارة إلى ما كان عليه المترجم من التعاظم والتفاخر فقال:
سلام على الدنيا فقد ذهب الفخر، ثم حمل إلى مشهد أسلافه بالقرافة ودفن في التربة التي أعدها لنفسه بجانب مقام جدهم وتقلد مشيخة سجادتهم في ذلك اليوم الشيخ أحمد بن الشيخ يوسف وهو ابن عمه وعصبته وكنيته أبو الإقبال بإجماع من الخاص والعام وجلس هو وأخوه سيدي يحيى لتلقي العزاء وفي الصباح حضر إلى الرباط بالخرنفش، وكان بزاوية الرباط المذكور خلوة جدهم أقام بها حين حضر من الغرب إلى مصر وعادتهم إذا تولى شخص منهم المشيخة لا بد أن يأتي في الصباح ويدخل الخلوة فيجلس بها حصة لطيفة فيتروحن وتلبش الولاية، فلما كان المترجم هدم حائط تلك الخلوة زاعماً أنه خاتمة أوليائه،وأنه لم يأتي من يصلح للمشيخة سواه وكأنه أخذه بذلك عهداً وميثاقاُ، ولم يعلم أن ربه لم يزل خلاقاً وأن الولاية ليست بفعل العبد ولا بالسعي والقصد قال تعالى في محكم آياته: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وقال سبحانه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} و{إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ}. نسأله التوفيق والهدايا والحفظ على أسباب الغواية ولما كان القديمة حضر المتولي وصحبته أشياخ الوقت والسيد محمد المحروقي وجماعة الحزب وغيرهم من المتفرجين وقد جعلوا على محل الخلوة سائراً بدل الحائط المهدوم ودخل المتولي خلفها وقرأ جماعة الحزب شيئاً من القرآن ثم قام النقيب مع الشيخ البكري فتلقوا الشيخ فخرج على الحاضرين متطيلساً وصافحهم وركب بصحبتهم إلى القلعة فخلع عليه كتخدا بك خلعة سمور ونزلوا إلى زاويتهم بالقرافة وأمامهم جماعة الحزب وجاويشية النقابة فجلسوا حصة وقرؤوا أحزابهم ثم ركب ورجع إلى المنزل وجلس مع أخيه لعمل المأتم والقراءة الجمعية على العادة وأرسل كتخدا بك ساعياً يخبر موته إلى الباشا بالفيوم لأنه لما سافر إلى جهة قبلي ووصل إلى ناحية بني سويف ركب بغلة سريعة العدو وركب خلفه خواصه بالهجن والبغال فوصلها في أربع ساعات وانقطع أكثر المتوجهين معه ومات منهم سبعة عشر هجيناً رجع الساعي بعد ثلاثة أيام بجواب الرسالة ومضمونها عدم التعرض لورثة المتوفي حتى يقدم الباشا من غيبته فبقي الأمر على السكوت أربعة عشر يوماً وحضر الباشا ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر فبمجرد وصوله إلى الجيزة أرسل بالختم على منزلهم فما يشعرون إلا وحسين كتخدا الكتخدا بك وبيت المال واصل إليهم ومعهم آخرون فختموا على المجالس التي بالحريم ومجلس الجلوس الرجالي ختموا على خزائنه وقبضوا على الكاتب القبطي المسمى عبد القدوس والفراش وحبسوهما وعدى الباشا من ليلته إلى بر مصر وطلع إلى القلعة فركب إليه في صبحها المشايخ وصحبتهم ابن أخي المتوفي وهو الذي تولى المشيخة فخاطبوه وقالوا له كلاماً معناه أن بيوت الأشياخ مكرمة ولم تجر العادة بالختم على أماكنهم وخصوصاً أن هذا المتوفي كان عظيماً في بابه وأنتم أخبر به وكان لكم به مزيد عناية ومراعاة فقال نعم أني لا أريد إهانة بيتهم ولا أطمع في شيء مما يتعلق بمشيختهم ولا وظائفهم القديمة ولا يخفاكم أن المتوفي كان طماعاً وجماعاً للمال وطالت مدته وحاز التزامات وإقطاعات وكان لا يحب قرابته ولا يخصهم بشيء بل كتب ما حازه لزوجته وهي جارية نهاية ثمنها ألفا قرش أو أقل أو أكثر ولم يكتب لأولاد أخيه شيئاً فلا يصح أن أمه تختص بذلك كله والخزينة أولى به لاحتياجات مصاريف العساكر ومحاربة الخوارج واستخلاص الحرمين وخزينة السلطان وأنا أرفع الختم رعاية لخواطركم فدعوا له وقاموا إلى مجلس الكتخدا وخلع على الشيخ المتولي فروة سمور أخرى قلد السيد محمد الدواخلي نقابة الأشراف وخلع عليه فروة سمور عوضاً عن سيدي أحمد أبي الإقبال المتولي على خلافة السادات فانفصل من النقابة ونزلت الجاويشية ولوازم النقابة مثل باش جاويش والكاتب أما الدواخلي وخلفه وقلد السيد المحروقي نظارة المشهد الحسيني عوضاً عن المتوفي وكان فراغ بها لابن أخيه فلم ينفذ الباشا ذلك وفي ثاني يوم حضر الأعوان إلى بيت السادات وفكوا الختوم وطلبوا سقاء الحريم فأخذوه معهم وأوجعوه بالضرب وأحضروا البناء وسألوهما عن محل الخبايا ثم رجعوا إلى المنزل ففتحوا مخبأة مسدودة بالبناء فوجدوا بها قوالب مساند قطيفة غير محشوة ووجدوا نحاساً وقطناً وأواني صيني فتركوا ذلك وذهبوا وأبقوا بالدار عدة من العسكر فباتوا بها ثم رجعوا في ثالث يوم وفتحوا مخبأة أخرى فوجدوا بها أكياساً مربوطة فظنوا بداخلها المال ففتحوها فوجدوا بها بن قهوة وبغيرها صابون وشموع عسل ولم يجدوا شيئاً من المال فتركوا تلك الأشياء ونزلوا إلى قاعة جلوسه وفتحوا خزانة فوجدوا بها نقوداً فعدوها وحصروها فبلغت مائة وسبعة وعشرين كيساً فأخذوها ثم سعى السيد محمد المحروقي في مصالحة الباشا حتى قرر عليهم ألف كيس وخمسين كيساً وخمسة أكياس براني لبيت المال وخصموا منها الذي وجدوه بالخزانة وطولبوا بالباقي وذلك بعد التشديد والتهديد على الزوجة وتوعدها بالتغريق في البحر إن لم تظهر المال وأمر الكاتب بحساب إيراده ومصرفه في كل سنة وما صرفه في الأبنية وينظر ما يتبقى بعد ذلك في مدة سنين ماضية فلم يزل السيد محمد المحروقي يدافع ويسعى حتى تقرر القدر المذكور والتزم هو بدفعه وحولت عليه الحوالات وضبط الباشا حصص الالتزام التي كتبت باسم الزوجة ومنها قلقشندة بالقليوبية وسوادة ودفرانية بالجهة القبلية وغير ذلك وبعد انقضاء عدة الزوجة استأذن السيد المحروقي الباشا في عقد نكاحها على ابن أخي المتوفي الذي هو السيد أحمد أبو الإقبال الذي تولى خلافة بيتهم فأذن بذلك فحضر في الحال وأجرى العقد بعد أن حكمت عليه بطلاق التي في عصمته وهي جاريتها زوجته في حياة عمه ورزق منها أولاد واستقر المشار إليه في المنزل خليفة وشيخاً على سجادتهم وسكن معه أخوه سيدي يحيى زادهما الله توفيقاً وخيراً واتفاقاً وأشرق نجم المتصدر على أفق السعادة إشراقاً فهو أبو الإقبال المتحلي بالجمال والكمال في المهد ينطق عن سعادة جده أثر النجابة واضح البرهان أن الهلال إذا رأيت نموه أيقنت إن سيزيد في اللمعان. وا في ثالث يوم وفتحوا مخبأة أخرى فوجدوا بها أكياساً مربوطة فظنوا بداخلها المال ففتحوها فوجدوا بها بن قهوة وبغيرها صابون وشموع عسل ولم يجدوا شيئاً من المال فتركوا تلك الأشياء ونزلوا إلى قاعة جلوسه وفتحوا خزانة فوجدوا بها نقوداً فعدوها وحصروها فبلغت مائة وسبعة وعشرين كيساً فأخذوها ثم سعى السيد محمد المحروقي في مصالحة الباشا حتى قرر عليهم ألف كيس وخمسين كيساً وخمسة أكياس براني لبيت المال وخصموا منها الذي وجدوه بالخزانة وطولبوا بالباقي وذلك بعد التشديد والتهديد على الزوجة وتوعدها بالتغريق في البحر إن لم تظهر المال وأمر الكاتب بحساب إيراده ومصرفه في كل سنة وما صرفه في الأبنية وينظر ما يتبقى بعد ذلك في مدة سنين ماضية فلم يزل السيد محمد المحروقي يدافع ويسعى حتى تقرر القدر المذكور والتزم هو بدفعه وحولت عليه الحوالات وضبط الباشا حصص الالتزام التي كتبت باسم الزوجة ومنها قلقشندة بالقليوبية وسوادة ودفرانية بالجهة القبلية وغير ذلك وبعد انقضاء عدة الزوجة استأذن السيد المحروقي الباشا في عقد نكاحها على ابن أخي المتوفي الذي هو السيد أحمد أبو الإقبال الذي تولى خلافة بيتهم فأذن بذلك فحضر في الحال وأجرى العقد بعد أن حكمت عليه بطلاق التي في عصمته وهي جاريتها زوجته في حياة عمه ورزق منها أولاد واستقر المشار إليه في المنزل خليفة وشيخاً على سجادتهم وسكن معه أخوه سيدي يحيى زادهما الله توفيقاً وخيراً واتفاقاً وأشرق نجم المتصدر على أفق السعادة إشراقاً فهو أبو الإقبال المتحلي بالجمال والكمال في المهد ينطق عن سعادة جده أثر النجابة واضح البرهان أن الهلال إذا رأيت نموه أيقنت إن سيزيد في اللمعان.
ومات، الشيخ الناسك محمد بن عبد الرحمن اليوسي المغربي ورد إلى مصر وحج ورجع ونزل بدار الحاج مصطفى الهجين العطار منجمعاً عن خلطة الناس والسعي على طريقة حميدة ومذاكرة حسنة ويأتي إليه الناس يزورونه ويتبركون به ويسألونه الدعاء ويستفهمون منه مسائل فجيب كل إنسان بما ينسر منه بتواضع وانكسار وتزهيد في الدنيا وتمرض سنيناً وتوفي يوم الثلاثاء عشرين المحرم وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بجانب الخطيب الشربيني بتربة المجاورين وهي القرافة الكبرى.